يُعد المنتخب المصري لكرة القدم، المعروف بلقب "الفراعنة"، أحد أعرق المنتخبات في تاريخ القارة الأفريقية. تأسس الاتحاد المصري لكرة القدم عام 1921، وانضم إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) عام 1923، مما يجعله أقدم منتخب في أفريقيا.
حقق الفراعنة إنجازات مذهلة على الصعيد القاري، حيث فازوا بكأس أمم أفريقيا سبع مرات، وهو رقم قياسي لا يزال يُحطم الأحلام للمنافسين. ومع ذلك، فإن مشاركاتهم في كأس العالم لكرة القدم، أكبر الفعاليات الرياضية على الإطلاق، كانت محدودة ومليئة بالتحديات. منذ إقامة البطولة عام 1930، شارك المنتخب المصري فيها أربع مرات فقط: 1934، 1990، 2018، و2026 (التي تم التأهل لها مؤخراً في أكتوبر 2025). لم يفز الفراعنة بأي مباراة في مراحلها النهائية، لكنهم سجلوا لحظات تاريخية، خاصة من خلال هدافيهم الذين حملوا أحلام الأمة على أكتافهم.
في هذا المقال، سنستعرض تاريخ مشاركات مصر في كأس العالم، مع التركيز على الهدافين البارزين في كل نسخة، وسنخصص مقاطع مستقلة لكل مرة صعد فيها المنتخب إلى النهائيات، مع تغطية شاملة لكل ما يتعلق بالفريق: التشكيلات، النتائج، التحديات، والدروس المستفادة. كما سنلمح إلى محاولات التأهل الفاشلة، التي شكلت جزءاً كبيراً من رحلة الفراعنة نحو الحلم العالمي. هذه الرحلة ليست مجرد سجل مباريات، بل قصة صمود وطموح لشعب يرى في كرة القدم رمزاً للوحدة والفخر.
محاولات التأهل: طريق طويل مليء بالعقبات
قبل الغوص في مشاركات النهائيات، يجب أن نعترف بأن المنتخب المصري خاض عشرات الدورات التمهيدية لكأس العالم دون الوصول إلى النهائيات في معظمها. كانت أول محاولة حقيقية في ثلاثينيات القرن الماضي، حيث انسحبت مصر من تصفيات 1938 بسبب مشاكل مالية ودينية (رفضوا اللعب خلال رمضان). في الخمسينيات، واجهوا إيطاليا في تصفيات 1954 وخسروا، ثم انسحبوا من بعض الدورات مثل 1962 و1966 بسبب الظروف السياسية، بما في ذلك حرب 1967 التي أوقفت الرياضة مؤقتاً.مع توسع البطولة في السبعينيات، دخل الفراعنة التصفيات بانتظام، لكنهم فشلوا في الوصول إلى النهائيات حتى 1990. كانت الثمانينيات عقداً من الإحباط، حيث خسرت مصر أمام الكاميرون والجزائر في تصفيات 1986 و1982.
في التسعينيات والألفية الجديدة، شهدت محاولات أكثر تنافسية، لكن الهزائم أمام جنوب أفريقيا (1998) ونيجيريا (2002) أعاقت التقدم. الفترة من 2006 إلى 2014 كانت أفضل، مع وصول مصر إلى نصف نهائي كأس أمم أفريقيا، لكن التصفيات العالمية بقيت بعيدة المنال.في السنوات الأخيرة، أصبحت التصفيات أكثر صعوبة بسبب المنافسة الأفريقية الشديدة. فشلت مصر في التأهل لـ2022 بعد خسارة مثيرة أمام السنغال في الملحق القاري، رغم تألق محمد صلاح. ومع ذلك، عادت القوة في تصفيات 2026، حيث أدى صلاح دوراً حاسماً بتسجيله 9 أهداف، ليصبح أفضل هداف أفريقي في تاريخ التصفيات برصيد 20 هدفاً. هذه المحاولات الفاشلة لم تكن مجرد خسارات؛ بل بنت خبرة الفريق، وأعدت الطريق للعودة إلى الساحة العالمية.
أول صعود تاريخي: كأس العالم 1934 في إيطاليا
كانت مشاركة مصر الأولى في كأس العالم حدثاً تاريخياً، إذ أصبحت أول منتخب أفريقي وعربي يصل إلى النهائيات. جاء التأهل بعد فوز على فلسطين الانتدابية في التصفيات، لكن الرحلة إلى إيطاليا لم تكن سهلة؛ استغرقت أربعة أيام على متن سفينة "حلوان"، وسط عواصف بحرية أدت إلى تأخير الوصول.
تحت قيادة المدرب هادجي ستانكوفيتش، ضم الفريق 14 لاعباً، بقيادة حارس المرمى مصطفى كامل منصور، ونجوم مثل عبد الرحمن فوزي، الذي أصبح أول أفريقي يسجل في البطولة.في نظام التصفيات المباشرة، واجه الفراعنة المجر في ناپولي يوم 27 مايو 1934. بدأت المباراة بسيطرة المجر، التي تقدمت 2-0 في الدقيقة 31، لكن مصر عادت بقوة؛ سجل فوزي هدفين في الدقائق 29 و33 (رغم أن السجلات تختلف قليلاً)، ليقلص الفارق إلى 2-2. للأسف، أضاف المجر هدفين آخرين ليفوز 4-2، وانتهت رحلة مصر. كان فوزي، المهاجم الشاب، الهداف الوحيد للفريق برصيده هدفين، وهو إنجاز يُذكر كرمز للصمود الأفريقي الأول. لم يلعب الفريق سوى مباراة واحدة بسبب النظام، لكن هذه المشاركة ألهمت أجيالاً، وأثبتت أن أفريقيا قادرة على المنافسة العالمية رغم البساطة في الإعدادات.
العودة بعد عقود: كأس العالم 1990 في إيطاليا
بعد 56 عاماً من الغياب، عاد الفراعنة إلى كأس العالم في 1990، تحت قيادة المدرب محمود الجوهري. كان التأهل إنجازاً كبيراً؛ فازت مصر على الجزائر في الملحق القاري بنتيجة 1-0، لتصل إلى النهائيات للمرة الثانية. ضم الفريق 22 لاعباً، معظمُهم من الدوري المصري مثل أحمد شوبير (حارس المرمى)، والإخوة حسام وإبراهيم حسن، وأحمد زكريا في الهجوم. كانت إيطاليا مضيفة مرة أخرى، ووُضِعَ الفريق في المجموعة السادسة مع إنجلترا، هولندا، وأيرلندا – مجموعة قوية مليئة بنجوم مثل مارادونا (غائب) وغاسكوي.بدأت الحملة بتعادل مثير 1-1 أمام هولندا يوم 12 يونيو، حيث سجل مجدي عبد الغني هدف مصر الوحيد من ركلة جزاء في الدقيقة 83، مقابل هدف ويم كيفت.
كان عبد الغني، المهاجم السريع، الهداف الوحيد للفريق برصيده هدف واحد، وهو الذي أنقذ نقطة تاريخية أمام بطل أوروبا 1988. تلاها تعادل 0-0 أمام أيرلندا يوم 17 يونيو، مع دفاع صلب بقيادة حني رمزي. انتهت المجموعة بخسارة 0-1 أمام إنجلترا يوم 21 يونيو، ليحتل الفراعنة المركز الثالث بنقطتين. لم يكن هناك فوز، لكن التعادلين أكسبوا مصر أول نقاطها في التاريخ، وأثبتوا أن الدفاع المصري يمكن أن يقاوم العمالقة. عاد اللاعبون أبطالاً، لكن الفريق فشل في كأس أمم أفريقيا 1990، مما أضاف لمسة درامية للعام.
الأحلام الحديثة: كأس العالم 2018 في روسيا
شهدت عودة مصر إلى كأس العالم بعد 28 عاماً إثارة كبيرة، خاصة مع صعود محمد صلاح كنجم عالمي. تأهلت الفراعنة بقيادة المدرب هيكتور كوبر في أكتوبر 2017، بعد تفوقهم على غانا وأوغندا في المجموعة. ضم الفريق 23 لاعباً، بما في ذلك صلاح (ليفربول)، محمد النني (أرسنال)، أحمد حجازي (ويست بروم)، وتريزيغيه. وُضِعَ الفريق في المجموعة الأولى مع روسيا (المضيفة)، أوروغواي، والسعودية – مجموعة متوازنة لكن صعبة.بدأت المباراة الأولى بخسارة 0-1 أمام أوروغواي يوم 15 يونيو، حيث غاب صلاح بسبب إصابة في كتفه من نهائي دوري أبطال أوروبا.
كان الفريق دفاعياً، لكنه فشل في التهديف. عاد صلاح في المباراة الثانية أمام روسيا يوم 19 يونيو، لكن الخسارة 0-3 جاءت بعد هدفين مبكرين وطرد. لم يسجل أي لاعب هدفاً، وكان الفريق الأضعف هجومياً. انتهت الحملة بخسارة 1-2 أمام السعودية يوم 25 يونيو، حيث سجل صلاح هدف مصر الوحيد في الدقيقة 22 من تمريرة تريزيغيه، لكن السعودية عادوا بقوتين. كان صلاح الهداف الوحيد برصيده هدف واحد، لكنه لم يتمكن من إنقاذ الفريق من الخروج المبكر. رغم الإخفاق، ألهمت المشاركة ملايين المصريين، وأبرزت الحاجة إلى توازن بين الدفاع والهجوم.
الرابعة قادمة: كأس العالم 2026 في أمريكا الشمالية
مع تأهل مصر في أكتوبر 2025 بعد فوز 3-0 على جيبوتي (أهداف إبراهيم عادل ودوبلة من صلاح)، يعود الفراعنة للمرة الرابعة. تحت قيادة المدرب حسام حسن، يعتمد الفريق على صلاح (33 عاماً) كقائد هجومي، مع دعم من عادل وماروان محسن. المجموعة لم تُحدد بعد، لكن التوقعات عالية بعد حملة تصفيات ناجحة بـ23 نقطة. هل سيسجل صلاح المزيد من الأهداف ويصبح أسطورة؟ الـ2026 قد تكون فرصة لكسر طلسم عدم الفوز.
الهدافون: رموز الفراعنة في كأس العالم
على مر التاريخ، سجل الفراعنة 6 أهداف فقط في كأس العالم، موزعة على أربعة هدافين رئيسيين. عبد الرحمن فوزي (1934) بـ2 أهداف، يُعتبر الأول والأكثر تأثيراً. مجدي عبد الغني (1990) بـ1 هدف، المنقذ في التعادل مع هولندا. محمد صلاح (2018) بـ1 هدف، رمز العصر الحديث. أما في 2026، فقد يضيف صلاح المزيد، معتمداً على سرعته وذكائه. هؤلاء الهدافون ليسوا مجرد مسجلين؛ هم حاملو الأحلام، من فوزي الذي فتح الباب أفريقياً، إلى صلاح الذي يلهم الجيل الجديد.
الإرث والمستقبل: فراعنة يبحثون عن الفوز الأول
رغم عدم الفوز بمباراة، يبقى المنتخب المصري رمزاً للصمود. من السفن القديمة إلى الملاعب الحديثة، تعلمت مصر الدروس: الحاجة إلى هجوم قوي، واستغلال النجوم مثل صلاح. مع سبع بطولات أفريقية وتأهل 2026، يحلم الفراعنة بالمزيد. هل سيكسرون الطلسم؟ التاريخ يقول إن الفراعنة دائماً يعودون أقوى.
رأيك يهمنا عزيزى القارئ