تُعد كرة القدم اللعبة الأكثر شعبية في العالم، لكنها ليست دائمًا لعبة عادلة كما يُفترض. فبينما تبهرنا المهارات والأهداف، هناك لحظات يبقى تأثيرها أعمق من مجرد تسديدة أو تمريرة.
إنها القرارات التحكيمية المثيرة للجدل التي غيّرت مجرى التاريخ الكروي، وأثارت جدلاً لا يزال قائمًا حتى اليوم. في هذا المقال نستعرض أبرز الفضائح التحكيمية في تاريخ كرة القدم، تلك التي قلبت نتائج البطولات وأشعلت الغضب بين الجماهير.
1. “يد الرب”... مارادونا يسرق الأنظار في مونديال 1986
في الدقيقة 51، قفز مارادونا مع الحارس الإنجليزي بيتر شيلتون وسدد الكرة بيده داخل الشباك. الحكم التونسي علي بن ناصر احتسب الهدف، رغم اعتراضات الإنجليز الصارخة.
بعد المباراة وصف مارادونا الهدف بأنه جاء "بقليل من رأسه وقليل من يد الله"، ليُعرف لاحقًا باسم "هدف يد الرب". هذه اللقطة أصبحت من أكثر الأحداث المثيرة للجدل في تاريخ اللعبة، وفتحت الباب أمام نقاش طويل حول العدالة في التحكيم وضرورة استخدام التكنولوجيا.
2. فضيحة كوريا الجنوبية وإيطاليا في مونديال 2002
مونديال كوريا واليابان 2002 كان استثنائيًا من حيث التنظيم… لكنه أيضًا كان مليئًا بالجدل التحكيمي.
في مباراة دور الـ16 بين إيطاليا وكوريا الجنوبية، ارتكب الحكم الإكوادوري بايرون مورينو سلسلة من الأخطاء الصادمة، منها إلغاء هدف صحيح للمهاجم الإيطالي توتي واحتساب مخالفات مشكوك فيها لصالح أصحاب الأرض.
الأكثر غرابة أن مورينو طرد توتي بطريقة مثيرة للجدل بعد ادعائه التمثيل داخل منطقة الجزاء، وهو ما أدى إلى خروج إيطاليا من البطولة. لاحقًا، أصبحت المباراة رمزًا للظلم التحكيمي في تاريخ المونديالات، ووصفتها الصحف الإيطالية بأنها “سرقة القرن”.
3. فرنسا وإيرلندا 2009... يد هنري تحطم حلم أمة
في تصفيات كأس العالم 2010، التقى منتخب فرنسا بنظيره الإيرلندي في مباراة فاصلة لتحديد المتأهل للمونديال.
وفي الوقت الإضافي، لعب تييري هنري الكرة بيده قبل أن يمررها إلى ويليام غالاس الذي سجل هدف التأهل لفرنسا.
لم يلاحظ الحكم المخالفة رغم وضوحها للجميع، ليُحرم المنتخب الإيرلندي من التأهل إلى كأس العالم بطريقة قاسية.
هذه الحادثة كانت من الأسباب التي دفعت الاتحاد الدولي (فيفا) إلى تسريع عملية إدخال تقنيات المساعدة بالفيديو (VAR) لاحقًا، بعدما أثبتت أن الأخطاء التحكيمية يمكن أن تُسقط أحلام شعوب بأكملها.
4. هدف لم يُسجّل يُخرج إنجلترا من مونديال 2010
بعد عقود من جدل “يد الرب”، عانت إنجلترا هذه المرة من خطأ تحكيمي قاتل في كأس العالم 2010 أمام ألمانيا في دور الـ16.
سدد فرانك لامبارد كرة قوية ارتطمت بالعارضة وتجاوزت خط المرمى بوضوح، لكن الحكم لم يحتسبها هدفًا.
لو احتُسب الهدف، لتعادلت إنجلترا 2-2 مع ألمانيا في وقت حاسم من المباراة، لكنها خسرت في النهاية 4-1.
هذه الواقعة كانت الدافع الرئيسي وراء تطبيق تقنية خط المرمى (Goal Line Technology) في البطولات الكبرى، لتجنب تكرار مثل هذه الكوارث التحكيمية.
5. برشلونة وتشيلسي 2009... ليلة أوسكار أوبريدو الملعونة
من أكثر المباريات التي لا تُنسى في دوري أبطال أوروبا، نصف النهائي بين تشيلسي وبرشلونة في موسم 2008-2009.
قاد الحكم النرويجي توم هينينغ أوبريدو المباراة، لكنه رفض احتساب أكثر من أربع ركلات جزاء واضحة لصالح تشيلسي، رغم لمسات يد صريحة وتدخلات قوية داخل المنطقة.
انتهت المباراة بالتعادل 1-1 بعد هدف قاتل من إنييستا، وتأهل برشلونة إلى النهائي، ثم فاز بالبطولة لاحقًا.
ما زال عشاق تشيلسي حتى اليوم يعتبرون تلك الليلة من أسوأ فضائح التحكيم في تاريخ دوري الأبطال، فيما وصفها البعض بأنها “مباراة سرقت مجد فريق لندن”.
6. ريال مدريد وبايرن ميونخ 2017... ربع نهائي مشكوك فيه
في دوري أبطال أوروبا 2017، جمعت مباراة الإياب بين ريال مدريد وبايرن ميونخ في سانتياغو برنابيو كل عناصر الإثارة… والجدل أيضًا.
سجل كريستيانو رونالدو "هاتريك"، لكن اثنين من أهدافه كانا من تسلل واضح، كما تعرض لاعبو بايرن لقرارات طرد مثيرة للشك.
الحكم المجري فيكتور كاساي واجه موجة انتقادات عالمية بعد اللقاء، حيث رأى محللو التحكيم أن الأخطاء التحكيمية كانت مؤثرة بشكل مباشر في تأهل ريال مدريد إلى نصف النهائي، ومن ثم تتويجه باللقب في نهاية الموسم.
7. نهائي كأس العالم 1978... الأرجنتين واتهامات بالتلاعب
استضافت الأرجنتين كأس العالم 1978 وسط ظروف سياسية حساسة، واتُهمت اللجنة المنظمة بالتأثير على مجريات البطولة لصالح المنتخب المضيف.
في مباراة نصف النهائي ضد بيرو، فازت الأرجنتين 6-0 بنتيجة صادمة مكّنتها من التأهل إلى النهائي بفارق الأهداف على البرازيل.
رغم أن المباراة لم تشهد أخطاء تحكيمية صريحة، إلا أن الاتهامات بالتلاعب والضغط السياسي ظلت تلاحق الاتحاد الأرجنتيني لسنوات، ما جعلها واحدة من أكثر البطولات المثيرة للجدل في التاريخ.
8. نهائي دوري أبطال أوروبا 2018... كاريـوس وخطأ الحكم في الفاول
في نهائي كييف بين ريال مدريد وليفربول، اشتهرت المباراة بأخطاء الحارس لوريس كاريوس، لكن هناك من يرى أن الحكم كان جزءًا من الجدل.
ففي لقطة إصابة محمد صلاح بعد تدخل قوي من سيرخيو راموس، لم يتخذ الحكم أي إجراء رغم وضوح الخطأ وخطورته.
هذا الموقف أثار جدلاً عالميًا، خاصة في مصر والوطن العربي، حول كيفية تجاهل الحكام لمثل هذه التدخلات، وتأثيرها على نتيجة أهم نهائي في أوروبا.
9. الأوروغواي وغانا 2010... يد سواريز تُخرج الأفارقة من الحلم
ربع نهائي كأس العالم 2010 جمع بين غانا والأوروغواي، وكان الأفارقة على بعد ثوانٍ من الوصول لأول نصف نهائي في تاريخهم.
لكن في الدقيقة الأخيرة من الوقت الإضافي، تصدى لويس سواريز بيده لتسديدة كانت في طريقها إلى المرمى.
تم طرده، لكن أسامواه جيان أهدر ركلة الجزاء، وخسرت غانا في النهاية بركلات الترجيح.
رغم تطبيق القانون حرفيًا، اعتبر الملايين أن هذه اللقطة تمثل واحدة من أبشع صور "اللعب غير النزيه" في التاريخ، وأن العدالة لم تتحقق رغم العقوبة القانونية.
10. فضائح التحكيم في أفريقيا... شبح الفساد يهدد العدالة
القارة السمراء لم تكن بعيدة عن الجدل التحكيمي.
من أبرز الوقائع، مباراة الترجي التونسي والوداد المغربي في نهائي دوري أبطال أفريقيا 2019، حيث توقفت المباراة بسبب رفض الحكم الرجوع إلى تقنية الفيديو بعد هدف صحيح للوداد.
انتهت المباراة بفوز الترجي وتتويجه باللقب وسط عاصفة من الغضب، وأعاد الاتحاد الأفريقي النظر في طريقة اختيار الحكام وإدارة البطولات بعد تلك الواقعة.
التحكيم بين الخطأ البشري والتكنولوجيا
رغم التطور الكبير في أنظمة التحكيم مثل VAR وتقنية خط المرمى، لا تزال الأخطاء التحكيمية جزءًا من اللعبة.
لكن ما تغيّر هو أن الجماهير باتت تملك الآن أدوات للكشف والتحليل، مما يجعل من الصعب إخفاء الأخطاء أو التلاعب بالنتائج.
إن كرة القدم، رغم كل ما تحمله من متعة وإثارة، تظل لعبة بشرية، وأي خطأ فيها قد يصنع تاريخًا جديدًا.
ومهما تقدمت التكنولوجيا، سيبقى الجدل التحكيمي جزءًا من سحر هذه اللعبة التي لا تنتهي مفاجآتها.

رأيك يهمنا عزيزى القارئ