تُعد الفترة الذهبية في تاريخ نوتنجهام فورست واحدة من أعجب القصص في تاريخ كرة القدم الأوروبية على الإطلاق.
نوتنجهام فورست قبل المجد الأوروبي: نادٍ عريق بلا ألقاب كبرى
قبل انطلاق العصر الذهبي، كان نوتنجهام فورست ناديًا ذو تاريخ طويل، لكنه خالٍ من البطولات الكبرى. تأسس النادي في القرن التاسع عشر، وشارك لفترات متقطعة في الدرجة الأولى الإنجليزية دون أن يترك بصمة حقيقية على مستوى البطولات. ظل الفريق يدور في فلك المنافسة المتوسطة، يتأرجح بين الصعود والهبوط، ويعتمد على قاعدة جماهيرية وفية أكثر من اعتماده على نجوم كبار أو إمكانيات مالية ضخمة.
بحلول منتصف السبعينيات، لم يكن أحد يتخيل أن هذا النادي المتواضع سيقف على قمم أوروبا خلال سنوات قليلة فقط، ليكسر كل القواعد التي اعتادتها كرة القدم الحديثة.
براين كلوف: المهندس الحقيقي للفترة الذهبية
التحول الجذري في تاريخ نوتنجهام فورست بدأ مع وصول المدرب الأسطوري براين كلوف عام 1975. كان كلوف معروفًا بشخصيته القوية، وثقته المطلقة في أفكاره، وقدرته الفريدة على استخراج أفضل ما لدى لاعبيه. لم يكن مدربًا تقليديًا، بل قائدًا ملهمًا يؤمن بأن الانتصارات تُصنع بالعقل قبل القدم.
في موسمه الأول، قاد الفريق للصعود من الدرجة الثانية إلى الدرجة الأولى، وفي الموسم التالي مباشرة، فاجأ الجميع بحصد لقب الدوري الإنجليزي، في سيناريو لم يتكرر إلا نادرًا عبر تاريخ اللعبة.
لقب الدوري الإنجليزي 1978: الشرارة الأولى للمجد
في موسم 1977–1978، كتب نوتنجهام فورست التاريخ بطريقة مذهلة عندما تُوّج بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز بعد موسم استثنائي تفوق فيه على عمالقة الكرة الإنجليزية. لم يكن الفريق يضم أسماءً رنانة، لكنه اعتمد على الانضباط، والقوة الدفاعية، والابتكار التكتيكي.
ذلك اللقب لم يكن مجرد بطولة محلية؛ بل كان المفتاح الذي فتح أبواب أوروبا أمام النادي، ومهد لولادة أسطورة ستُخلد في الذاكرة الكروية إلى الأبد.
الانطلاق الأوروبي: رحلة غير مسبوقة نحو القمة
بفضل تتويجه بالدوري، شارك نوتنجهام فورست في بطولة دوري أبطال أوروبا (وكان يُعرف آنذاك باسم كأس أوروبا). دخل الفريق البطولة دون ضغوط، لكنه سرعان ما أثبت أنه ليس مجرد ضيف شرف.
تخطى فورست فرقًا كبرى بخطة دفاعية صارمة وهجمات مرتدة قاتلة. ورغم قلة الخبرات الأوروبية، أظهر الفريق شخصية البطل منذ الأدوار الأولى، وصولًا إلى المباراة النهائية التي ستغير تاريخ النادي إلى الأبد.
لقب أوروبا الأول 1979: من الحلم إلى الحقيقة
في عام 1979، بلغ نوتنجهام فورست نهائي كأس أوروبا أمام فريق مالمو السويدي. لم يكن فورست هو المرشح الأبرز، لكن روح الفريق والإيمان بالمشروع جعلا المستحيل ممكنًا. انتهت المباراة بفوز تاريخي منح فورست أول لقب أوروبي في تاريخه.
هذا التتويج لم يكن مفاجأة للمشجعين داخل إنجلترا فقط، بل صدمة كروية على مستوى القارة، حيث أثبت أن التنظيم والانضباط يمكنهما التفوق على الأسماء الكبرى والميزانيات الضخمة.
اللقب الأوروبي الثاني 1980: تأكيد الهيمنة لا الصدفة
ظن البعض أن فوز 1979 كان مجرد ضربة حظ، لكن نوتنجهام فورست رد بأقوى طريقة ممكنة. في موسم 1979–1980، عاد الفريق مجددًا إلى النهائي الأوروبي واصطدم بنادي هامبورج الألماني في مباراة عصيبة، نجح خلالها في تحقيق الفوز وحصد اللقب الثاني على التوالي.
هذا الإنجاز الفريد جعل النادي يدخل تاريخ كرة القدم من أوسع أبوابه، ليصبح أحد قلة من الأندية التي نجحت في الفوز بدوري أبطال أوروبا مرتين متتاليتين، رغم حداثة تجربته القارية.
نجوم الفترة الذهبية: أسماء صنعت التاريخ
لم تكن بطولات نوتنجهام فورست لتتحقق دون مجموعة مميزة من اللاعبين الذين شكلوا العمود الفقري للفريق، أبرزهم:
- الحارس بيتر شيلتون: صمام الأمان وأحد أفضل حراس إنجلترا عبر التاريخ.
- تريفور فرانسيس: صاحب الهدف التاريخي في نهائي أوروبا.
- جون روبرتسون: الجناح الذكي وصاحب اللمسات الحاسمة.
- كيني بيرنز: القائد الدفاعي الصلب.
تميز هؤلاء اللاعبون بالانضباط التكتيكي والروح القتالية العالية، وكانوا نموذجًا للفريق الذي يتفوق بالكل لا بالفرد.
العبقرية التكتيكية: كيف تفوق فورست على عمالقة أوروبا؟
هذا الأسلوب منح الفريق القدرة على مجاراة الفرق الكبرى التي تمتلك مهارات فردية أعلى، وجعل نوتنجهام فورست خصمًا عنيدًا يصعب كسره.
ألقاب أخرى دعمت الفترة الذهبية
لم تقتصر إنجازات تلك الحقبة على البطولات الأوروبية فقط، بل حقق فورست عدة ألقاب محلية وقارية، أبرزها:
- كأس الرابطة الإنجليزية مرتين متتاليتين.
- كأس السوبر الأوروبي بعد التتويج بدوري الأبطال.
- ظهور متكرر ضمن المراكز الأولى في الدوري الإنجليزي.
هذه البطولات رسخت مكانة النادي كقوة كروية حقيقية، رغم محدودية موارده مقارنة بعمالقة تلك الفترة.
بداية النهاية: تراجع تدريجي بعد رحيل كلوف
مع مرور السنوات، بدأ وهج نوتنجهام فورست يخفت تدريجيًا، خاصة بعد تقدم براين كلوف في العمر ورحيله لاحقًا عن تدريب الفريق. غابت الاستمرارية، وتراجع مستوى الفريق، ليعود مجددًا إلى دائرة المنافسة المتوسطة، ثم الهبوط في بعض الفترات.
لكن رغم التراجع، بقيت إنجازات تلك الحقبة حاضرة بقوة في ذاكرة الجماهير، وأصبحت معيارًا يقاس به تاريخ النادي كله.
القيمة التاريخية للفترة الذهبية في كرة القدم الأوروبية
لا تكمن عظمة الفترة الذهبية لنوتنجهام فورست في عدد البطولات فقط، بل في الطريقة التي تحققت بها. فقد أعادت تعريف مفهوم المنافسة في أوروبا، وأثبتت أن التخطيط السليم، والقيادة القوية، والعمل الجماعي يمكنها أن تهزم أقوى الأندية وأكثرها ثراءً.
إن قصة فورست أصبحت مرجعًا لكل نادٍ صغير يحلم بمجدٍ كبير، ودليلًا على أن المستحيل في كرة القدم ليس سوى كلمة قابلة للكسر.
تأثير الحقبة الذهبية على هوية النادي حتى اليوم
حتى الوقت الحاضر، يعيش نوتنجهام فورست على إرث تلك الحقبة الأسطورية. فهي التي منحت النادي هويته القارية وهيبته التاريخية، وجعلت اسمه حاضرًا في النقاشات الكبرى حول أعظم الإنجازات المفاجئة في تاريخ كرة القدم.
ولا تزال جماهير فورست تستحضر تلك الذكريات بفخر، معتبرة أن ما تحقق في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات هو أعظم فصل في تاريخ النادي بلا منازع.
أسطورة لن تتكرر
تُجسّد الفترة الذهبية في تاريخ نوتنجهام فورست قصة نادرة في عالم كرة القدم، قصة نادي صعد من الظل إلى قمة أوروبا في وقت قياسي، بفضل رؤية تدريبية عبقرية ولاعبين آمنوا بحلم بدا في بدايته مستحيلًا. إنها حقبة ستبقى محفورة في ذاكرة كرة القدم إلى الأبد، كنموذج حي يؤكد أن العظمة لا تُقاس بالمال أو الشهرة، بل بالإرادة والعمل والانضباط.


رأيك يهمنا عزيزى القارئ