شاهد

أبرز المحترفين العرب في تاريخ الدوري الإسباني: رحلة من الريادة إلى التألق العالمي

في عالم كرة القدم الذي يتسم بالتنافس الشرس والتنوع الثقافي، يبرز الدوري الإسباني "الليغا" كواحد من أعرق الملاعب في أوروبا، حيث يلتقي الإبداع الفني بالقوة الجسدية في إيقاع يشبه الرقصة الإسبانية النارية. 


منذ عقود، أصبح هذا الدوري وجهة مغرية للمواهب العالمية، ومن بينها برزت نجوم عربية تركت بصماتها الذهبية على صفحات تاريخه. هؤلاء اللاعبون لم يكونوا مجرد محترفين يبحثون عن الشهرة، بل كانوا سفراء لثقافاتهم، يحملون أحلام شعوبهم على أكتافهم، ويثبتون أن الدم العربي يمكن أن يتدفق في شرايين أعظم الدوريات.تاريخيًا، يعود التواجد العربي في الليغا إلى أربعينيات القرن الماضي، حيث كانت الروابط الجغرافية والثقافية بين إسبانيا والمغرب تجعل الدوري وجهة طبيعية للمواهب المغاربية. 

مع مرور الزمن، تطورت هذه الهجرة الكروية لتشمل لاعبين من مصر والجزائر والسعودية، ليصبح الدوري الإسباني نموذجًا للتكامل بين الشرق والغرب. في هذا المقال، نستعرض أبرز هؤلاء المحترفين، مستعيدين مسيرتهم المليئة بالإنجازات والتحديات، مع التركيز على كيف ساهموا في تشكيل هوية الليغا الحديثة. لن نكتفي بالأرقام، بل سنغوص في القصص الإنسانية التي جعلت منهم أيقونات.

العربي بن مبارك: الرائد الذي فتح الأبواب

يُعتبر العربي بن مبارك، المهاجم المغربي الذي ولد عام 1919، أول نجم عربي يخطو خطواته في الدوري الإسباني. في أربعينيات القرن العشرين، انتقل بن مبارك إلى نادي أتلتيكو مدريد (الذي كان يُعرف آنذاك باسم أتلتيكو أفياليون)، حيث أصبح هدافًا استثنائيًا سجل فيه عشرات الأهداف. كان بن مبارك رمزًا للقوة الجسدية والسرعة، يجمع بين الذكاء التكتيكي والقدرة على الإنهاء تحت الضغط. في زمن لم تكن فيه الروابط الدولية قوية، كان انتصاره على التحديات الثقافية واللغوية دليلاً على إصرار اللاعب العربي الأول.لم يقتصر دور بن مبارك على الملعب؛ فقد ساهم في تعزيز الروابط بين المغرب وإسبانيا، مما مهد الطريق لأجيال لاحقة. بعد اعتزاله، عاد إلى المغرب حيث أصبح مدربًا، لكنه يظل في ذاكرة الليغا كـ"الأب الروحي" للمحترفين العرب. إنجازاته الرئيسية تشمل المساهمة في فوز أتلتيكو بكأس الجنراليسيو عام 1941، وهو لقب يُعد اليوم أحد أسلاف كأس الملك.

نور الدين نيبت: المدافع الذي بنى الجدران

في الثمانينيات والتسعينيات، برز نور الدين نيبت، المدافع المغربي، كواحد من أفضل اللاعبين العرب في تاريخ الدوري الإسباني. انضم نيبت إلى ديبورتيفو لاكورونيا عام 1994، حيث لعب أكثر من 200 مباراة وساهم في صعود النادي إلى قمة الليغا. كان نيبت معروفًا بقوته الجسدية وقدرته على قراءة المباراة، مما جعله يُلقب بـ"السور الإسباني". في موسم 1999-2000، ساعد فريقه على الوصول إلى المركز الثاني في الدوري، وهو أعلى إنجاز للكورونيا في تاريخها.قصة نيبت تُعد نموذجًا للصمود؛ فقد واجه إصابات متكررة، لكنه عاد دائمًا أقوى. على المستوى الدولي، شارك في كأس العالم 1998، وسجل هدفًا تاريخيًا ضد إسبانيا. اعتزل عام 2003، لكنه يُذكر كلاعب غير الليغا إلى الأبد، حيث أصبح رمزًا للدفاع العربي الذكي.

مصطفى أمين: المهاجم الذي أشعل الشباك 

من الجيل نفسه، يأتي مصطفى أمين، المهاجم المغربي الذي لعب لريال بيتيس وبلد الريوكارمينو في التسعينيات. سجل أمين أكثر من 50 هدفًا في الليغا، وكان معروفًا بسرعته الخارقة ومهاراته في الرأسيات. في موسم 1995-1996، أصبح هداف بلد الريوكارمينو، مساهمًا في بقاء النادي في الدرجة الأولى. كان أمين يُلقب بـ"الصقر المغربي" لقدرته على "الصيد" في منطقة الجزاء.ما يميز أمين هو تأثيره خارج الملعب؛ فقد ساعد في تطوير أكاديميات كرة القدم في المغرب، مستلهمًا تجربته الإسبانية. إنجازاته تشمل الفوز بكأس الملك مع بيتيس عام 1997، وهو يُعد من الرواد الذين أثبتوا أن اللاعب العربي يمكن أن يكون هدافًا عالميًا.

منير الحدادي: الجناح الذي أضاء برشلونة

في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، دخل منير الحدادي، المهاجم المغربي، تاريخ الليغا بقوة من خلال صفوف برشلونة. انضم الحدادي عام 2008، وسجل في أول موسم له هدفًا حاسمًا في كلاسيكو ضد ريال مدريد، مما جعله بطلًا فوريًا. لعب أكثر من 100 مباراة، وساهم في الفوز بلقب الليغا عام 2009 و2011، بالإضافة إلى دوري أبطال أوروبا 2009.كان الحدادي يجمع بين السرعة والذكاء، وأصبح صديقًا للنجمين مثل ميسي وتشافي. رحيله إلى مالقا عام 2012 لم يُنهِ تأثيره، إذ عاد لاحقًا كلاعب حر ليُسجل هدفًا في كأس الملك 2013. الحدادي يُعد رمزًا للاندماج، حيث أصبح مواطنًا إسبانيًا وداعمًا للقضايا المغربية.

أشرف بنشر: القائد الذي يبني المستقبل

من النجوم الحاليين، يبرز أشرف بنشر، المهاجم المغربي لفياريال، كأحد أبرز المحترفين العرب في الليغا المعاصرة. منذ انضمامه عام 2015، سجل بنشر أكثر من 70 هدفًا، وساهم في الفوز بكأس الملك 2020 ويوروبا ليغ 2021. في موسم 2022-2023، أصبح هداف فياريال، مسجلاً 29 هدفًا في جميع المسابقات.قصة بنشر ملهمة؛ فقد بدأ في أكاديمية الرجاء البيضاوي، ثم انتقل إلى أوروبا رغم الرفض الأولي. على الصعيد الدولي، ساهم في وصول المغرب إلى نصف نهائي كأس العالم 2022، وسجل هدفًا أسطوريًا ضد البرتغال. بنشر ليس مجرد لاعب، بل قائد يُلهم الشباب العربي بإصراره وأخلاقه.

يوسف النصيري: القوة الجوية في إشبيلية

يوسف النصيري، المهاجم المغربي لإشبيلية، يُعد من أكثر اللاعبين العرب تأثيرًا في الليغا خلال العقد الأخير. منذ 2016، سجل النصيري أكثر من 60 هدفًا، وساهم في الفوز بيوروبا ليغ 2020 وكأس الملك 2020. يُلقب بـ"الوحش" لقوته في الرأسيات، حيث سجل 15 هدفًا رأسيًا في الليغا وحدها.رحلة النصيري بدأت في وزان المغربي، ثم انتقل إلى مالقا قبل إشبيلية. في كأس العالم 2022، سجل هدفًا حاسمًا ضد إسبانيا في ركلات الترجيح. النصيري يُمثل الجيل الجديد الذي يجمع بين المهارة والقوة، مما يجعله هدفًا للأندية الكبرى مثل أرسنال.

أشرف حكيمي: المدافع السريع في ريال مدريد

رغم تركيزه على الدوريات الأخرى، إلا أن أشرف حكيمي، المدافع المغربي، ترك بصمة في الليغا مع ريال مدريد بين 2017 و2018. لعب 16 مباراة، وساهم في الفوز بدوري أبطال أوروبا 2018. سرعته الخارقة (أسرع مدافع في الليغا) جعلته نجمًا، قبل انتقاله إلى بوروسيا دورتموند.حكيمي، الذي نشأ في أكاديمية ريال مدريد، يُعد نموذجًا للشباب العربي الذي يحقق الحلم الملكي. إنجازاته تشمل جائزة أفضل لاعب شاب أفريقيًا مرتين.

أحمد حسن: اللمسة المصرية الفريدة

من مصر، يأتي أحمد حسن كرواد للتواجد المصري في الليغا. لعب لإشبيلية في التسعينيات، وسجل 12 هدفًا في 50 مباراة. كان حسن معروفًا بمهاراته الفنية، وساهم في صعود إشبيلية إلى الليغا عام 1997. قصته تُبرز التحديات التي واجهها المصريون في أوروبا، لكنه أثبت أن الإصرار يفتح الأبواب.

من التحديات إلى الإلهام

لم يكن طريق هؤلاء النجوم سهلاً؛ فقد واجهوا التمييز، الإصابات، والضغوط الثقافية. ومع ذلك، ساهموا في غنى الليغا، حيث أصبح الدوري اليوم يضم أكثر من 20 لاعبًا عربيًا، مثل إبراهيم دياز في ريال مدريد الذي سجل 12 هدفًا في موسم 2023-2024. هذا التواجد لم يغير الليغا فحسب، بل ألهم جيلًا جديدًا في الوطن العربي، حيث أصبحت الأكاديميات تُعد أبناءها لأحلام إسبانية.في الختام، أبرز المحترفين العرب في تاريخ الدوري الإسباني ليسوا مجرد أسماء في الإحصائيات، بل قصص نجاح تُروى للأجيال. من بن مبارك الرائد إلى بنشر القائد، يُثبتون أن الكرة لا تعرف حدودًا. هل سنشهد المزيد؟ بالتأكيد، فالمستقبل يعد بنجوم جدد يحملون الراية العربية عاليًا في سماء الليغا.

تعليقات