في عالم كرة القدم، حيث يُعتبر الفوز بالدوري الوطني إنجازًا كبيرًا يُحتفل به لسنوات، هناك فئة نادرة من اللاعبين الذين تجاوزوا الحدود الجغرافية والثقافية ليحققوا هذا الإنجاز في أكثر من ثلاث دول.
هؤلاء اللاعبون ليسوا مجرد مهاجرين رياضيين، بل هم رموز للتكيف والمثابرة، حيث سافروا عبر القارات، واجهوا أساليب لعب مختلفة، وأثبتوا أنفسهم في بيئات تنافسية متنوعة. وفقًا لسجلات تاريخية موثوقة، يُقدر عدد اللاعبين الذين حققوا هذا الإنجاز بحوالي 33 لاعبًا فقط، مما يجعلهم نخبة داخل نخبة. في هذا المقال، سنستعرض بعضًا من أبرز هؤلاء اللاعبين، مع التركيز على مسيرتهم المهنية، التحديات التي واجهوها، والإرث الذي تركوه في كل دوري فازوا به. هذه القصص ليست مجرد إحصاءات، بل دروس في الرياضة العالمية التي تتجاوز الحدود.
جوزيه مانويل مورينو: الرائد الأرجنتيني الذي فتح الأبواب
يُعتبر جوزيه مانويل مورينو، النجم الأرجنتيني الذي عاش في منتصف القرن العشرين، أول لاعب في تاريخ كرة القدم يفوز بالدوري في أربع دول مختلفة. ولد مورينو عام 1916 في بوينوس آيرس، وبدأ مسيرته مع نادي ريفر بليت الأرجنتيني، حيث فاز بخمسة ألقاب دوري أرجنتيني بين عامي 1930 و1940. كان مورينو لاعبًا متعدد المواهب، يلعب كمهاجم أو صانع ألعاب، ويتميز بذكائه التكتيكي الاستثنائي.
في عام 1946، غادر مورينو أرجنتينا ليبدأ رحلة دولية طويلة. انتقل أولاً إلى المكسيك للانضمام إلى نادي ريال كلوب إسبانيول، حيث ساهم في الفوز بدوري المكسيك عام 1945 (رغم أنه انضم بعد ذلك مباشرة). ثم توجه إلى تشيلي ليصبح بطلًا مع يونيفرسيداد كاتوليكا عام 1948، حيث أصبح نجمًا في الدوري التشيلي الذي كان يعتمد على أسلوب لعب دفاعي قوي. أخيرًا، في عام 1951، انضم إلى إنديبينديانتي ميدييين في كولومبيا، وساعد الفريق على الفوز بدوري كولومبيا عام 1954-1955، مما جعله أول لاعب يحقق هذا الإنجاز في أربع دول: الأرجنتين، المكسيك، تشيلي، وكولومبيا.
كانت رحلة مورينو مليئة بالتحديات، بما في ذلك التنقل بين الدوريات الأمريكية الجنوبية التي كانت تعاني من عدم الاستقرار المالي والسياسي. ومع ذلك، ترك مورينو إرثًا كلاعب يجمع بين الإبداع والقيادة، وفاز أيضًا بكأس أمريكا 1945 مع الأرجنتين. توفي عام 1978، لكنه يظل رمزًا للاعبين الذين تجاوزوا الحدود ليصبحوا عالميين.
أريين روبين: الجناح الهولندي السريع الذي غزا أوروبا
في العصر الحديث، يبرز أرجين روبن كواحد من أكثر اللاعبين إثارة الذين حققوا فوزًا بدوريات في أربع دول. الولد الهولندي المولود عام 1984 في بيدريخست، بدأ مسيرته مع غرونيغن في هولندا، لكنه سرعان ما انتقل إلى تشيلسي في إنجلترا عام 2004. هناك، ساعد في الفوز بدوري الدرجة الأولى الإنجليزي (البريميرليغ) عام 2005 و2006، رغم الإصابات التي أعاقته جزئيًا.
انتقل روبن إلى ريال مدريد عام 2007، حيث فاز بدوري الدوري الإسباني (لا ليغا) عام 2008، مساهمًا بسرعته الخارقة وتمريراته الدقيقة في هجوم الفريق. ثم جاءت الفترة الأكثر تألقًا مع بايرن ميونيخ في ألمانيا، حيث انضم عام 2009 وفاز بالدوري الألماني (البوندسليغا) سبع مرات متتالية بين 2010 و2017. كان روبن نجمًا في نظام بيب غوارديولا، حيث سجل أهدافًا حاسمة في المباريات الكبرى. أخيرًا، في نهاية مسيرته، انتقل إلى بي إس فييدن في هولندا عام 2018، وفاز بدوري الهولندي (إيريديفيزي) عام 2019، مكملًا الإنجاز في أربع دول: إنجلترا، إسبانيا، ألمانيا، وهولندا.
ما يميز روبن ليس فقط الإحصاءات، بل قدرته على التكيف مع أساليب مختلفة: الدفاع الإنجليزي القاسي، التمريرات الإسبانية الدقيقة، والكفاءة الألمانية. رغم عدم الفوز بكأس العالم مع هولندا، إلا أن روبن اعتزل عام 2019 كأحد أعظم الجناحين في التاريخ، مع تركيز على اللياقة البدنية كمفتاح لنجاحه الطويل.
ديكو: البرتغالي البرازيلي الذي جمع بين العوالم
أندرياسيونيو أغوستو دي باروس، المعروف بديكو، هو مثال حي على اللاعبين الذين يجمعون بين جذور ثقافية متعددة. ولد في البرازيل عام 1977، لكنه انتقل إلى البرتغال في سن المراهقة وأصبح مواطنًا برتغاليًا. بدأ مسيرته مع بنافيل في البرتغال، حيث فاز بدوري البرتغال (البريمييرا ليغا) عام 2001 مع بورتو.
انتقل ديكو إلى برشلونة عام 2004، وساهم في الفوز بدوري إسبانيا عام 2005، كصانع ألعاب يتميز بتمريراته الطويلة ونظرته الشاملة للملعب. ثم جاءت فترة قصيرة مع تشيلسي في إنجلترا عام 2008، حيث فاز بالبريميرليغ عام 2009-2010، رغم عدم الظهور المنتظم. أخيرًا، عاد إلى البرازيل مع فلامينغو عام 2010، لكنه حقق الإنجاز الرابع مع كروزيرو في دوري البرازيل عام 2011. هكذا، فاز ديكو بدوريات في أربع دول: البرتغال، إسبانيا، إنجلترا، والبرازيل.
ديكو، الذي فاز أيضًا بدوري أبطال أوروبا 2004 و2006، يُعتبر من أفضل صانعي الألعاب في جيله. تحدياته شملت الضغط في الدوريات الكبرى، لكنه نجح بفضل ذكائه التكتيكي، الذي ساعده في كل بيئة. اعتزل عام 2013، وأصبح اليوم مدربًا، محافظًا على إرثه كلاعب عالمي.
ريفالدو: البرازيلي الذي لمس القارات
ريفالدو فيتال، النجم البرازيلي الشهير، حقق إنجازًا مذهلاً بفوزه بدوريات في أربع دول متنوعة. بدأ في البرازيل مع بالميراس عام 1994، ثم انتقل إلى إسبانيا مع ديبورتيفو لاكورونيا عام 1996، لكنه حقق النجاح الكبير مع برشلونة عام 1998-1999. بعد ذلك، لعب في إيطاليا مع ميلان عام 2002، لكنه فاز بالدوري الإيطالي (سيري أ) عام 2004 مع كروتوني؟ لا، انتظر، مع ميلان لم يفز بالدوري، بل مع أولمبياقوس في اليونان عام 2004-2005 بدوري اليونان.
ثم، في مرحلة متأخرة من مسيرته، انتقل إلى أوزبكستان مع بونيوكور عام 2008، وفاز بدوري أوزبكستان. هكذا، فاز ريفالدو في البرازيل، إسبانيا، اليونان، وأوزبكستان. كان ريفالدو، الفائز بكرة الذهب 1999، يتميز بتسديداته القوية ومهاراته الفردية، مما ساعده في الدوريات الأقل شهرة. رحلته تعكس كيف يمكن للاعبين الكبار أن يستمروا في النجاح حتى في نهاية مسيرتهم.
مارك فان بوميل: الهولندي المتعدد الدوريات
مارك فان بوميل، قائد خط الوسط الهولندي، فاز بدوريات في أربع دول أوروبية كبرى. بدأ مع فورتونا سيتارد في هولندا، لكنه حقق النجاح مع بي إس فييدن عام 2000. ثم انتقل إلى برشلونة عام 2002، وفاز بدوري إسبانيا عام 2005. بعد ذلك، مع باير ليفركوزن في ألمانيا؟ لا، مع بايرن ميونيخ عام 2006-2008، ثم مع إي سي ميلان في إيطاليا عام 2009. الدول: هولندا، إسبانيا، ألمانيا، إيطاليا.
فان بوميل كان معروفًا بقوته الدفاعية وتوزيع الكرة، واعتزل عام 2011 بعد فوز بكأس العالم للأندية. قصته تبرز أهمية الاستقرار في الوسط للنجاح في دوريات متنوعة.
جيري ياروشيك: التشيكي الذي غزا الشمال والجنوب
جيري ياروشيك، المدافع التشيكي، حقق إنجازًا في أربع دول: التشيك مع سبارتا براغ عام 1997، روسيا مع سبارتاك موسكو عام 2001، إنجلترا مع تشيلسي عام 2005، واسكتلندا مع سلتيك عام 2006. مسيرته القصيرة لكنها مؤثرة تعكس التنقل السريع في أوروبا الشرقية والغربية.
الأستمرارية في النجاح
هؤلاء اللاعبون، من مورينو إلى روبن، يُظهرون كيف أصبح كرة القدم عالمية. اليوم، مع تزايد التنقل بفضل العولمة، قد يزداد عددهم، لكن الإنجاز يظل نادرًا. يتطلب الأمر ليس فقط الموهبة، بل التكيف الثقافي واللياقة. في عصر ميسي ورونالدو، الذين فازوا في ثلاث دول فقط، يبقى هذا الإنجاز تذكيرًا بجمال الرياضة التي لا تعرف حدودًا. إذا كنت مهتمًا بكرة القدم، فكر في هذه القصص كإلهام للمستقبل.